جمعية الثقافة والفكر الحر
مركز ثقافة الطفل الفلسطيني
ملتقى الإبداع الأدبي
اللقاء السادس العاشر محاضرة حول:
التجديد في القصيدة العربية
" قصيدة النثر" ... حوار وأمثلة
إعداد وتقديم الشاعران:
أ. معين شلولة.
أ. نصر شعت.
محاضرة مقدمة يوم الخميس الموافق 1/مايو 2003م
قصيدة النثر
كثيراً ما تقامُ طقوس الجدل حول قضية" قصيدة النثر" مشروعيتها ومكانتها من الأجناس الأدبية الأخرى، وغير ذلك من أسئلة الجدل التي لا تنتهي. فثمة من يقفون خلف قوالبِ الشكلانية، ولا يتطور رأيهم ولا فهمهم لهذا الجنس الحداثي من أجناس الأدب المتطور، ويقتصر دورهم فقط على الهجوم غير الشرعي وقذف ابليس الذي تلبس الشعر فانتج "قصيدة النثر" فيما ابليس المفترض يهتف بصوت عالٍ انه من طين الشعر، وطين الشعر موروث جمالٍ في إدراك ووجدان كلً آدمي مبدع.
إن جسامة الخطأ تكمن في التفسير الجاهز للموروث على انه مسلمةً تراثية لا يجب ولا يمكن كسرها ظنَّا أنها استوفت واستوعبت وأحاطت بكامل حيثيات الفن وجمالياته.إن مثل هذا الرأي إنما يقرر أن الموروث شيء قدسي لا يجب المس بهيئته، وإذا كان ذلك، فانه يعتبر خروجاً سافراً. لكن السؤال دائما يتكرر، هل خروج المبدع على اطار القوالب الجاهزة يعتبر كسرا أو تشويها لخِلقةِ الإبداع ومكانه، وإلا ما جدوى أن يسمى الشاعر مبدعاً، إذا كان ابداعه قيد الشرط الشكلاني القائم منذ أزل..؟
الشعر موروث إنساني حضاري إبداعي، أو لعله أسمى جمالٍ في الآدميةِ جمعاء، وإذا ما تناولنا الموروث الشعري العربي نجدنا أمام جماليات الشعر، أكثر من وجودنا أمام أشكال بناء القصيدة العربية، فالقصيدة هي اللغة والرؤية، هي الشعر الخالص، فالشعر أصبح إذن رؤيا، يقول ادونيس عن الرؤيا في الشعر" قفزة خارج المفاهيم القائمة، هي أذن تغيُّر في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها"(مجلة شعر، السنة الثالثة1959 عدد11) أما الشكلُ أو البناء المعماري للقصيدة فلا يعدوا كونه تطرزاً موسيقيا يفضي الى إلباس الشعر ثوب الايقاع الزاهي البرَّاق.هل ينتفي الشعر من القصيدة إذا ما جُرِّدَ من هذا الثوب..؟؟
إنَّ القصيدة العربية ذات الشكل والوزن الجدلي تجعلنا أمام تقييد غالبا ما يتمكن منا عندما تتدفق لحظاتُ الشعر، وحين أذكر التدفق في جنس الشعر أذكر في مقابله لجم اللحظة العفوية لهذا الشعر التي سكنت مفردات لغةٍ قد لا تكون على اتفاق مع سلامة الوزن والقافية، هنا يصبح الشاعر رهين الانتقاء الموفق للكلمة أو المفردة التي تطابق غرض المعنى وعافية الوزن.أعتقد ان طبيعة المبدع لا تقبل هذا المخاض الإبداعي العسير.
أين فضاء التغيير والإبداع إذن..؟
غالباً ما يكون التقليدُ قيداً أبوياً،وهل يعقل أن يظلَّ المبدعُ قيد الأبوية..؟
اننا في زمن الخروج عن الموروث الشعري الشكلاني، وليس كل خروجٍ يعني جحوداً، فنحن أكثر الأمم محافظةً على الميراث الحضاري المعنوي، ونأخذ به ونستلهمه في خلق تشكيل ابداعي جمالي يتميز بفرادة وممايزة خالصة، لكنها امتداداً لتراث الشعر العربي.
الخروج لا يعني جحوداً:
حين كُسرَ نظام الشعر الشكلاني عقب ثورة وعيٍ قام بها نفرٌ من شعراء العربية إيماناً منهم بالتغيير كضرورة اجتماعية انسانية تنعكس بدورها على الناحية الابداعية في أي زمان ومكان. حاجة المبدع للبحث عن آفاق تحمل سمات الجدة ومواكبة التطور ومحاكاة التغيير الاجتماعي والانساني باشكاله المتعددة هي حاجة مشروعة ولا يختلف على شرعيتهااثنان، ومن هنا كان لا بد من التفكير على مستوي المشهد الشعري بخطوات تغيير شجاعة وجريئة، وقد تمثل ذلك في اربعينيات القرن المنصرم باحداث أول خروج واسع ترك أثره في تاريخ الشعر العربي بعد ان خاض ذاك النفر من الشعراء الرواد،أمثال بدر شاكر السياب نازك الملآئكة، عبد الوهاب البياتي، صلاح عبد صلاح عبد الصبور، بلند الحيدري،معارك ادبية كبيرة/ هؤلاء ينظر اليهم بنظرة كلية نقرُّ فيها ان لهم كان فضل احداث التغيير والتطوير على القصيدة العربية دون الخوض هنافي جدلية الأسبقية لمن في ريادة حركة التغيير، وفضل التطوير في القصيدة،ما نقوله هنا هو ان هؤلاء الرواد كانوا قد خاضوا معارك وسجالات مطولة كانت الشغل الشاغل للشعراء والنقاد والادباء، والخصومة التي ترتبت عن هذه السجالات قد انتهت الى خروج قصيدة عربية تحمل مضامين وشكلا متطورا عن الشكل العمودي، وكاسراًأسسَ الموروث الشعري القديم؛فكانت قصيدة" التفعيلة" القائمة
على وحدة التفعيلة في القصيدة، حيث تتعدد التفعيلات في الأسطر السعرية تعددا حراً غير متقيدبعدد محدد منها، بحيث تكون القصيدة على هيئة اسطر شعرية يتلاحق فيها عددُ التفعيلات،تكثر في السطر أو تقل بحسب الحالة والدفقة الشعرية لدى الشاعر.
وقد استمرت رياح التغيير في المشهد الشعري العربي بالهبوب حاملةً رؤى الحداثة سواء من أثر الاحتكاك بالثقافات أو نتاج الابداع الغربي، أو من أثر جهد عربيا خالص حمل لواء التغير انطلاقا من وعيٍ قائل باحقية ومشروعية التجديد والتحدية في الحياة. حيث الشعر حياة. فالشكل في القصيدة لا يضيف قيمةً جوهرية للفن الشعري، بل ما يعلِّي حضور الشعر قيمة وجمال الرؤيا التي تسكن القصيدة" فليس النثر هو الذي يمنح القصيدةقيمتها الفنية الجددة، وليس النظم في القصيدة هو الذي منحها قيمتها الكلاسية القديمة، انما هناك شيءٌ آخر لا علاقة له بطريقة تركيب الكلمات نثراً أو نظماً هو الذي يخلق ما ندعوه الشعر".(غالي شكري، شعرنا الحديث الى اين،ص28،دار الآفاق الجديدة،ط2 1978.
وقد ظهر على رأس هذا التغيير جيلٌ من المبدعين المثابرين الأفذاذ،وقد عكفوا ،جلَّ أوقاتهم،على احداث ثورة تجديدية حداثية المفهوم العربي المستقل عن التبعية للمجتمعات الابداعية المختلفة،وقد أصر لمبدع العربي على ان تكون الحظوة للشعر مطلقا محررا من كافة قيود وقوالب الشكل والوزن والقافية، وكان على رأس هذه الحركة التجديدية رواد شعراء
أدنيس، يوسف الخال، انسي الحاج، توفيق صايغ،محمد الماغوط، شكل هؤلاء مجلة شعر" التي قادت حركة النشر وعرض التجارب الحداثية للشعراء المنتمين لهذا اللون من الشعــر.
جديرٌ بالذكر ان نازك المكلائكة اطلقت في كتابها " قضايا الشعر المعاصر تسية" الشعرالحر" على قصيدة التفعيلة وقد جاء الشاعر والناقد والأديب الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا، و كان من الدقة بحيث أزال اللبس الذي وقعت فيه الملآئكة، حيث اطلق على الشعر المتحرر من الوزن والقافية والمتخذ شكل قصيدة الاسطر بـ" الشعر الحر" أما القصيدة التي تستند الى وحدة التفعيلة في بناءها فسميت بـ" قصيدة التفعيلة، فقد كان خطاً ان اطلقت المكلآئكة تسمة الشعر الحر على قصيدة التفعيلة، اذ ان الاخيرة لم تتحرر في واقع الامر من قيود الوزن والقافية، بل ظلت محافظة على الموروث القديم والأساس الجوهري للقصيدة العمودية ألا وهي التفعيلة.
وفي سياق الحديث عن حركة التجديد في القيصدة العربية، نلقي الضوء على الفرق بين " الشعر الحر" وقصيدة النثر" بحيث نتفق على ان الأخيرين لا يخضعان لا لاوزن ولا لقافية،غير ان ما يميز قصيدة الشعر الحر عن قصيدة النثر، هو ان الاولى متحررة من قوالب العروض والقافية مع احتفاظها بالشكل البنائي على بياض الصفحة، حيث تكون القصيدة عبارة عن سطور متلاحقة تشبه قصيدة التفعيلة في ذلك، اما قصيدة النثر فهي لا تكون رهن أي قيد على الاطلاق ولا تخضع لأي التزام من ناحية الوزن والقافية من من ناحية حضورها على
0 commentaires
Enregistrer un commentaire